استطعتَ يا غسّان، أن تَجعلَ من الكلمةِ رصاصةْ، ولأنَّ أعداءَ الإنسانيةِ يخنقونَ صوتَ الحقْ..
قتلوكَ، فأصْبَحتَ شهيدَ الكلمة..
ملأتَ حياتنا بيارقَ صمودٍ ونضالٍ عَبرَ رحلةِ عُمرِكَ القصيرةْ..
فهلْ قتلوا الكلمةَ يومَ قَتلوكَ.؟
يا أخي.. يا ابن فلسطين.. يا ابن عكا..
كم أحببتُ منكَ ذلك "الشيءَ الآخرَ".. ليس لأنها روايةٌ فقطْ.! بل لأنكَ رَفضتَ أسوارَ الموتِ من خلالِ عِشقِنا لِلحياة..
أحببْتُ نَقْدَكَ الجريءْ، عندما أدَنتَ سُلوكَ الفلسطينيِّ الخانعِ، والصامتِ والمسكينِ إلى حدِّ البحثِ فقطْ عن لُقمةِ خُبزٍ ولو كانت ملوثةً بالنفطِ والتملُّقِ والانسحاقِ أمامَ سادةِ المالْ، وتحتَ أقدامِ "صرماياتِ الدولةِ" كما كُنتَ تقول..
سَمعتُ صَرخَتَكَ المدوّيةَ "لماذا لم يدقوا جدرانَ الخزان؟!" تقولُها أنتَ للأجيالِ لا ذلكَ الخصيِّ أبو الخيزران.
أحببتُ تصويرَكَ للوجهِ العدميِّ لمفهومِ الثورةِ، أنْ تُحدِّقَ في وجهِ الخوفِ حتى يموت الخوف في دَواخِلنا..
أحببتُ ثورتكَ على الظلمِ والجهلِ والمرضِ، وعلى الألمِ والقهرِ والإذلالِ يومَ أعلنتَ رفضَكَ لأيِّ كائنٍ بشريٍّ أن يقفَ في طابورٍ كيّ يُحَصِّلَ قوتَ عيالهِ من مكرماتِ الظالمين. أو أن يقضيَ عُمرهُ لاجِئاً بلا حيلةٍ في مخيمٍ عُرضَةً للمجازرِ والتهميشِ والضياعْ، وفي مهبِّ العواصفِ السياسيةِ، هكذا بلا ثمنٍ كما لو أنّهُ قشّةٌ في "عالمٍ ليسَ لنا".!
وها هي ذي روحُكَ الطاهرةَ تُولدُ مع كلِّ صباحْ مثلَ فراشةْ تطيرُ في فضاءِ المخيماتِ، وفي كلِّ ملجأٍ وفي كلِّ دولةٍ ومدينةٍ وقريةْ..
وما زِلنا يا غسّان نَضمُّ مآسينا الكبيرةَ والصغيرةَ في صُدورنا، ونقولُ نحنُ مَعكْ "قد لا نكونُ الجيلَ الذي يُحققُ النصرَ، لكنَّنا نُعدّ الأجيالَ القادمةَ للنصرْ"
وسنبقى ندقُّ على جدرانِ الخزّاِن حتى تتحَطّمَ السدودُ والحواجزَ.
ويبقى "كَعكُنا على كلِّ الأرصِفَةِ".
وسيبقى تُرابُ عكّا ينتظرُ وصولَكَ يا غسّان.. يا ابن عكّا البارْ..
*********